مقالات

الحوار وبناء السلام بعد سقوط الأسد.. شموليته وأبعاده

بعد عقود من الحكم الشمولي والصراعات الدموية التي مزقت النسيج السوري، تبرز الحاجة الملحة لحوار وطني شامل يمهد الطريق لبناء السلام والاستقرار. لم تعد المسألة مجرد تغيير سياسي، بل إعادة بناء دولة ومجتمع على أسس ديمقراطية تضمن الحقوق والحريات، وتحقق العدالة الانتقالية لجميع السوريين.

شمولية الحوار.. من يمثل من؟

لضمان نجاح أي عملية حوار وطني، لا بد أن تكون شاملة، تستوعب جميع الأطراف المعنية، من المعارضة السياسية إلى المجتمع المدني، ومن القوى المحلية إلى الجهات الفاعلة الدولية. يجب أن يكون الحوار قادراً على تمثيل مختلف المكونات العرقية والدينية والسياسية، حتى لا يتحول إلى إعادة إنتاج لنظام إقصائي جديد.

أبعاد بناء السلام بعد سقوط الأسد

1. العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية

التعامل مع إرث الاستبداد يتطلب عملية عدالة انتقالية حقيقية، تشمل محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، إلى جانب توفير آليات لجبر الضرر وتعويض الضحايا. بدون هذه الخطوات، سيبقى الانقسام الاجتماعي قائماً، مما يهدد أي محاولة لبناء السلام.

2. إعادة هيكلة المؤسسات وبناء دولة القانون

إعادة بناء سوريا تتطلب إصلاحاً عميقاً لمؤسسات الدولة، من القضاء إلى الأجهزة الأمنية، بحيث تعمل تحت مظلة القانون وليس خدمة لمصالح فئة معينة. لا يمكن تحقيق سلام دائم دون ضمان استقلالية القضاء، ونزع الطابع العسكري عن الحياة السياسية، وترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة.

3. التنمية وإعادة الإعمار كجزء من السلام

لا يمكن الحديث عن سلام مستدام دون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب. تحتاج سوريا إلى استراتيجيات إعادة إعمار شاملة، تضمن التنمية العادلة، وتوفر فرص العمل، وتعالج التفاوتات الاقتصادية التي كانت أحد أسباب التوترات في السابق.

4. دور المجتمع المدني والإعلام في ترسيخ الحوار

المجتمع المدني هو الضامن الأساسي لاستمرار الحوار الوطني، إذ يمكنه أن يكون وسيطاً بين مختلف الأطراف، ويعزز ثقافة التعددية والتسامح. كما يلعب الإعلام المستقل دوراً محورياً في فضح محاولات الهيمنة، ونقل صورة موضوعية عن التحديات والفرص أمام سوريا الجديدة.

الخاتمة.. هل ينجح السوريون في طي صفحة الماضي؟

لا شك أن التحديات التي تواجه سوريا ما بعد الأسد هائلة، لكن نجاح الحوار الوطني وبناء السلام يعتمد على مدى قدرة السوريين على تجاوز الانقسامات، والتأسيس لمرحلة جديدة قائمة على الشراكة الحقيقية. لا يمكن إعادة بناء سوريا إلا من خلال مشروع وطني شامل، يُنهي الاستبداد بكل أشكاله، ويؤسس لدولة ديمقراطية تضمن حقوق جميع أبنائها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى